القيادة الأخلاقيّة .. القوّة النّاعمة ؟
يُعد موضوع الأخلاق في القيادة من الموضوعات التي ربما يشعر الفرد أنها معروفة ضمنًا من خلال الخبرة، ولا ضرورة لبذل الجهد في دراستها، لكنّ المشكلة الرئيسة التي تواجه علم الأخلاق التطبيقي هي أنّ الباحثين والعلماء يشعرون- أحيانًا- أن القيم الأخلاقيّة المتعلقة بحقولهم وتخصصاتهم يمكن إدراكها وممارستها من خلال معرفتهم العمليَّة وحسِّهم العام، أو من خلال حدسهم الشّخصي، هذا بالإضافة إلى أنّ الكتابات الفلسفيَّة حول موضوع الأخلاق، غالبًا ما تُهمَل أو تُرفَض، لأنها تبدو غير ملائمة وغير مفيدة للأفراد الذين يكتبون عن الأخلاق في مجال تخصصاتهم ، و تسهم القيادة الأخلاقيّة بدور يسير ولكنه محوري في شرح تبادل صنّاع القادة والكفاءة الإداريَّة، وبرغم ذلك فإن معدل البحث في القيادة الأخلاقيّة داخل المؤسسات يعدُّ قليلًا.
ويُعتبر مفهوم القيادة الأخلاقيّة من المفاهيم الحديثة في مجال الإدارة ، وقد نشأ نتيجة تداخل بين كتابات القيادة والأخلاقيَّات معًا، ومن أشهر الكتابات في هذا الموضوع مقال قدّمه باس (Bass,1985) بعنوان: “أخلاقيَّات الإدارة”، حيث قسّم فيه القيادة التحويليَّة إلى نوعين هما: القيادة التحويليَّة الحقيقة -الأخلاقيّة-، والقيادة التحويليَّة الزائفة- غير الأخلاقيّة-، ومن جانب آخر، طرح سيولا (Ciulla,1995,p.5) تساؤلًا مهمًّا: وهو ما القيادة الجيدة ؟ وتوصل إلى استنتاج مهم: وهو أن الأخلاق هي قلب القيادة الإداريَّة، وأنّ أساس القيادة الأخلاقيّة وجوهرها هو أن يكون القائد شخصًا أخلاقيًّا ذاتيًّا، وبمعنى أن القائد الأخلاقي له سمات معيّنة، ويمارس أنواعًا معيّنة من السُّلوكيَّات والتصرفات، ويقوم بصنع القرارات في ضوء معايير أخلاقيَّة.
ومع نهاية القرن العشرين، ظهر توجه جديد في المنظمات العالميَّة، مما أدى إلى تأثيره في المنظمات التربويَّة؛ وذلك لأن النظام العالمي نظام مترابط يؤثر بعضه في بعض، حيث يدعو هذا التوجه إلى التخلي عن المفهوم التقليدي للقيادة المستندة إلى الهرميَّة والسلطة المركزيَّة، وتبني أنماط ونماذج قياديَّة جديدة، تشجّع العمل الفريقي التّعاوني، وتشارك في صنع القرارات، وتهتم بالمرؤوسين من جميع الجوانب، وذلك من خلال إطار أخلاقي إنساني يسهم في الارتقاء بأداء المنظّمة وتحقيق أهدافها.
ومن بين تلك الأنماط والنماذج: القيادة الأخلاقيّة، والتي تُعنى بتطوير معايير الأداء ، والاهتمام بالقادة وبالعاملين، وبالمنظّمة.
واليوم أصبحت القيادة الأخلاقيّة تحظى باهتمام بالغ من قبل الجميع، سواءً على مستوى المنظمات الحكوميَّة أو القطاع الخاص أو على مستوى الأفراد أو الجماعات، وهذا الاهتمام ينطلق من ضرورة الالتزام بالمبادئ والقيم السُّلوكيَّة الأخلاقيّة على مستوى الجوانب الشخصيَّة والجماعيَّة والمهنيَّة، بل إن التوجه الحديث للمنظمات يحتم وجود نظام قيمي يكون بمثابة المرجع الذي يُحتَكم إليه في تقويم ممارسات العاملين السُّلوكيَّة والمهنيَّة.
وأشار زهينق (Zheng et,2011 ) إلى أنّ القيادة الأخلاقيّة يمكن النظر لها من منظورين متكاملين الأول: القيادة، والآخر: الأخلاق، فالمنظور القيادي يتكون من ثلاثة مستويات، هي: العلاقة بين القادة وأتباعهم، وقدرة القادة وقوتهم التي يستخدمون بها السلطة، وعمليَّة وضع مجموعة واضحة من المعايير الأخلاقيّة التي يستخدم فيها القادة المكافآت والعقوبات بحسب اتباع المعايير الأخلاقيّة، بينما يكون المنظور الأخلاقي من مستويين هما: أنّ القيادة بحد ذاتها هي الأخلاق، ويعني ذلك أن القادة يستخدمون أدواتٍ وأساليبَ وأنماطًا أخلاقيَّة بشكل مناسب للتأثير في أتباعهم، أما المستوى الآخر فهو أن الهدف من القيادة هو خلق مناخ أخلاقي، واتخاذ قرارات أخلاقيَّة.
وبقراءة شاملة لمفهوم القيادة الأخلاقيّة في العديد من المراجع نجد أنّها قد اشتملت على الأفكار الرئيسة التالية:
- أنّ القیادة الأخلاقیّة تتكون من مجموعة من السُّلوكيَّات والممارسات المعياريَّة والتي لها ضوابط ومبادئ محددة.
- تحقق القيادة الأخلاقيّة مستوًى عاليًا من الثّقة المتبادلة بين جميع الأطراف ذات العلاقة بالمؤسسة.
- تسهم القيادة الأخلاقيّة في إيجاد مناخ تنظيمي منتج وفق القوانين والأنظمة المحددة.
- تسعى القيادة الأخلاقيّة إلى بناء العلاقات الإنسانيَّة المتميزة بشكل ينسجم مع أهداف المنظّمة.
- أنّ القائد الأخلاقي يجب أن يمتلك مهارات شخصيَّة، تمكنه من تعزيز السُّلوكيَّات الإيجابيَّة داخل المنظّمة.
- أنّ القائد كلما التزم بالسُّلوك الأخلاقي وطبقه داخل المنظّمة كان تأثيره في المرؤسين بشكل أكبر.
إنّ الالتزام بالمُثل والمبادئ الأخلاقيّة السامية من قبل القادة لها مفعول يصعب وصفة، وتتجاوز ذلك لتشمل دعم المرؤوسين والتزامهم بالسُّلوكيَّات الأخلاقيّة، والذي لا يتم غالبًا بشكل عفوي أو تلقائي، بل بشكل مخطط ومدروس، وذلك لبناء ثقافة تنظيميَّة قِيميَّة؛ تهدف لبناء مؤسسة أخلاقيَّة قائمة على الثّقة المتبادلة بين جميع الأطراف ذات الصلة بالمنظمة، ولذلك فإن القوّة القادمة في علم الإدارة هي القيادة بالأخلاق والقيم والمبادئ.
د/ سليمان الشتوي