مقدمة:
ميدان السياحة ميدان له روافد هامة تغذي الفرد والمجتمع على حد سواء ، فالسياحة قيمة تاريخيّة كبيرة. ووسيلة ترفيه وتغيير من نفسيّة الإنسان ،و أداة تسويق حضاريّة للدّولة، ووسيلةٍ لتبادل الثّقافات ، و رافدٍ من روافد الاقتصاد المحلّي ، حيث يعتبر قطاع السياحية المحرك الرئيس للاستثمار والنمو الاقتصادي على مستوى العالم، ومع حلول نهاية العام 2015م سوف يساهم قطاع السياحة والسفر في ضخ مبالغ تصل حتى 7.8 ترليون دولار، حيث يشكل هذا الرقم 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ولقد أجمع المختصون على أن السياحة في إطارها العام تعدّ إبرازاً لصورة البلاد وتسويقاً لثقافة الأمة واستعراضًا لموروثها. ورغم أن النشاط السياحي بشكل رئيس يعد من أنشطة القطاع الخاص، إلا أن هذا النشاط حظي باهتمام كبير من قـِبل حكومة خادم الحرمين الشريفين التي تنظر لهذا النشاط على أنه مولّد لأعداد كبيرة من فرص العمل والاستثمار لأبناء المملكة، عدا عن كونه قطاعاً واعداً وهاماً لتنويع مصادر الدخل القومي خاصة في إطار التحول الوطني الذي تدعمه الحكومة حاليا .
وتجلى هذا الاهتمام بصدور القرار الملكي الكريم رقم (9) بتاريخ 12/1/1421هـ، القاضي بإنشاء الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني كأول جهاز ذي استقلالية تامة يـُعْنى بتنمية ودعم وتطوير السياحة الوطنية بكافة جوانبها وعناصرها، وعلى أسس علمية ووفق عمل مؤسسي متطور . وكان لا بد أن تشمل النظرة الشمولية لسمو رئيس الهيئة وفريق عمله مجال تنمية وتطوير الموارد البشرية الوطنية كونه العصب الرئيس والمرتكز الأهم للتنمية السياحية الشاملة، وشكل إنشاء المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية السياحية الوطنية في الهيئة المرجعية النظامية والفنية لإدارة الموارد البشرية في القطاع السياحي بكافة مفاصلة.
ولقد توجهت مجلة التدريب والتنمية إلى مدير المركز الاستاذ / ناصر النشمي ليطلعنا على التجربة .
تنطلق رؤية المملكة العربية السعودية للقطاع السياحي من بعد قيمي ومجتمعي وحضاري في المقام الأول، وبعد اقتصادي محلي ودور دولي فاعل ومتفاعل مع القيم والمجتمعات الأخرى. من هذه الرؤية هل من الممكن إعطاء نبذة عن ماهية المركز؟ وماهي أهدافه الحالية والمستقبلية؟
أقر مجلس إدارة الهيئة في جلسته المنعقدة بتاريخ (7/9/1423هـ) إطلاق المشروع الوطني لتنمية الموارد البشرية السياحية، كجزء من خطة عمل الهيئة ضمن إطار الاستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية التي تبنتها الهيئة وبمباركة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز-رحمه الله-رئيس مجلس إدارة الهيئة “آنذاك” بتاريخ (2/12/1423هـ). رغبة من الهيئة في إيجاد جهاز متخصص ومستقل يعنى بتوفير متطلبات العملية التعليمية والتدريبية للكوادر البشرية السياحية الوطنية وفق أحدث النظم وأجود المعايير المهنية العالمية. ولقد أطلق على اسم المشروع لاحقاً مسمى (تكامل) دلالة على تكامل الجهود مع الشركاء ثم تمت موافقة مجلس إدارة الهيئة في اجتماعه (25)، والذي عُقد بمقر بالهيئة بتاريخ (17/7/1432هـ)، على تحويل مشروع “تكامل” إلى مركز تنمية الموارد البشرية السياحية الوطنية.
وفيما يتعلق بالأهداف يمكن إيجازها في التالي :
* إعداد وتنفيذ وتحديث استراتيجيات وخطط التوطين الشاملة لوظائف القطاع السياح .
* زيادة مساهمة العمالة الوطنية في قطاع السياحة والحد من الاستقدام .
*إيجاد بيئة تنظيمية ومؤسساتية لتنمية وتطوير الموارد البشرية السياحية الوطنية .
* توحيد وتنسيق جهود وأدوار ومسئوليات الشركاء المباشرين في تنمية الموارد البشرية السياحية.
* تطوير أسس ومعايير الجودة الشاملة في مجال التعليم والتدريب السياحي والعمل على إنشاء نظام موحد لمعايير الاعتماد الأكاديمي والمهني للتعليم والتدريب السياحي.
* تحفيز الاستثمار في تنمية الموارد البشرية السياحية من خلال التشجيع على إنشاء منشآت التعليم والتدريب السياحي.
* تنفيذ برامج التوعية المهنية السياحية التي تستهدف الطلاب وملاك ومشغلي والعاملين في القطاعات التي لها علاقة مباشرة بخدمة السائح.
* تقديم البرامج التدريبية لدعم المنشآت السياحية الصغيرة والمتوسطة.
* إعداد التقارير والدراسات الخاصة بتنمية الموارد البشرية السياحية.
تم التحقيق بنسبة كبيرة
وفيما يتعلق بالأهداف التي تم تحقيقها فلله الحمد تم تحقيق هذه الأهداف بنسب كبيرة وما زلنا نرغب في تحقيق المزيد والمزيد في قادم الأيام بحول الله وقوته.
والجدير بالذكر أنه ولغرض تسهيل تنفيذ خطة المركز والتنسيق بين الشركاء والمساعدة والدعم في تحقيق تلك الأهداف شُكلت لجنة توجيهية للمركز برئاسة صاحب السمو الملكي رئيس الهيئة في مرحلتها الأولى وعضوية كبار مسؤولي الجهات ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص، ثم أعيد تشكيل اللجنة واعتمدت أسماء أعضائها من سمو الرئيس بتاريخ 24 /11 /1436هـ.
ولقد تركزت أدوار تلك اللجنة ومهامها في توحيد وتنسيق جهود وأدوار ومسئوليات الشركاء المباشرين في القطاعين الحكومي والخاص في مجال تنمية الموارد البشرية السياحية، وتقديم مقترحات لتطوير استراتيجيات وخطط التوطين الشاملة لوظائف القطاع السياحي، وإيجاد بيئة تنظيمية ومؤسساتية لتنمية وتطوير الموارد البشرية السياحية الوطنية، وجعل بيئة العمل في القطاع السياحي بيئة جاذبة ومحفزة للعمل، واقتراح أسس ومعايير الجودة الشاملة في مجال التعليم والتدريب السياحي، وتنسق الجهود لإنشاء نظام موحد لمعايير الاعتماد الأكاديمي والمهني للتعليم والتدريب السياحي، وتحفيز الاستثمار في تنمية الموارد البشرية السياحية من خلال التشجيع على إنشاء وتطوير منشآت التعليم والتدريب السياحي الحكومي والأهلي، وأخيراً تقديم المقترحات حول خطط التوعية المهنية بهدف ترغيب الشباب بالعمل في مهن القطاع السياحي.
كون السياحة عصب قوي يدعم الاقتصاد وفي ظل الأوضاع العالمية الراهنة ، ماهي تطلعاتكم المستقبلية للمركز ؟
لدينا العديد من التطلعات ومن أهمها التركيز على التدريب السياحي وتفعيل التعاون مع القطاع الخاص لأنه المشغل الرئيس للجزء الأكبر من السياحة والتركيز على كل ما يخدم توظيف شباب الوطن الباحث عن عمل وأيضا كل ما يخدم مشروع التحول الوطني الذي تعني به الدولة في جميع قطاعاتها بحيث تكون السياحة رافد كبير من روافد الاقتصاد الوطني وإن أحد أفضل السبل لدفع عجلة التنمية السياحية في المملكة، التعاون مع كافة الأطراف المعنية والجهات والهيئات الحكومية، على تأسيس وتطوير نموذج لسلسلة من المشاريع السياحية ، والاستثمار فيها.
من خلال ممارساتكم العملية ،كيف تصف التعاون مع القطاع العام والخاص؟ وهل من الممكن تقديم نماذج للنجاحات التي حققتموها في التعاون مع القطاع الحكومي والأهلي ؟
أود أن أذكر في البداية أن جميع مجالات التعاون التي تربط المركز بالجهات الخارجية هي نتاج لمنهجية الشراكة التي تتبعها الهيئة في الإعداد وتنفيذ جميع مبادراتها وبرامجها ومشاريعها، إذ بلغ عدد اتفاقيات ومذكرات التعاون التي وقعتها الهيئة ممثلة بمركز تكامل مع الجهات الحكومية والأهلية قرابة (30) اتفاقية ومذكرة تعاون تصب جميعها في تنمية وتطوير الكوادر الوطنية. وما نلمسه الآن من تطور ونجاحات في مبادرات الهيئة هو ثمرة لتلك الشراكات الناجحة الفاعلة، وبالنسبة لنا في مركز تكامل هناك العديد من نماذج التعاون المثمر مع العديد من المؤسسات والجامعات وكليات ومعاهد ومراكز التعليم والتدريب الحكومية والأهلية إذ ساهمت الهيئة ممثلة بالمركز في دعم وتحفيز إنشاء كليات وأقسام ومعاهد ومراكز تدريب متخصصة بالقطاع السياحي، منها على سبيل المثال لا الحصر:
تعاونا مع العديد من الجهات
- التعاون مع جامعة الملك سعود في إنشاء كلية السياحـة والآثـار والتي بدأت الدراسة فيها العام الماضي (1427هـ).
- التعاون مع جامعة الملك عبدالعزيز في إنشاء معهد متخصص للدراسات السياحية بجامعة الملك عبدالعزيز في جده.
- التعاون مع جامعة أم القرى في إنشاء كلية إدارة أعمال الحج والعمرة والسياحة.
- التعاون مع عدد من الجامعات (جامعة حائل، الجامعة الإسلامية، جامعة تبوك، جامعة جازان، جامعة الدمام، جامعة الطائف، جامعة القصيم …الخ) في افتتاح أقسام للسياحة والتراث والوطني.
- التعاون مع المؤسسة العامة في إنشاء خمس كليات سياحية في الرياض والهفوف والطائف والمدينة المنورة ونجران.
- التعاون مع وزارة التعليم لابتعاث المئات من المواطنين لدراسة التخصصات السياحية ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي “وظيفتك .. وبعثتك” .
- دعم وتحفيز عدد من المستثمرين لإنشاء معاهد ومراكز متخصصة للتعليم والتدريب السياحي مثل معهد الحكير، معهد الطيار، المعهد السعودي للسياحة، الأكاديمية الدولية السعودية للسياحة والفندقة.
وفي مجال التدريب التوعوي والتطويري حقق المركز نجاحات كبيرة في شراكته مع الجهات الحكومية والأهلية التي يساهم منسوبيها في تقديم الخدمات المباشرة للسياح حيث نفذ مركز تكامل بالتعاون مع تلك الجهات برامج لرفع وتنمية مهارات العاملين في تلك الجهات في التعامل مع السائح وتقديم الخدمة له بشكل احترافي وشملت تلك الجهات قطاعات وزارة الداخلية، الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الهيئة السعودية للحماية الفطرية، مصلحة الجمارك.
ومن القطاع الخاص العاملون في منشآت السفر والسياحة والفنادق والوحدات السكنية المفروشة وسائقي سيارات الأجرة في جميع مطارات المملكة ومحطات السكة الحديد.
السّياحة وسيلة للقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل أمام الشّباب، فكثيرٌ من الدّول السّياحيّة تعمل على توظيف مواطنيها في المنشآت السّياحية والمطاعم والوظائف التي تتعلّق بخدمة السّياح مثل وظيفة المرشد والدّليل السّياحي ووظائف التّرويج للسّياحة، ويعمل في بعض البلدان السّياحية مئات الآلاف من الشّباب المؤهّلين والمدرّبين.
كيف طوعتم هذه الركيزة (قطاع واعد لشباب طموح) في مجالكم المهني ؟وهل دائرة الاهتمام تحيط بالسائح السعودي بشكل يضمن تحقيق تطلعاتكم ؟
هذا القطاع يشكل نسبة كبيرة جدا من اقتصادات الكثير من الدول ولدينا في المملكة يعتبر من القطاعات الواعدة في دعم الاقتصاد الوطني بسبب وجود الكثير من المجالات التي من الممكن أن يتم استثمارها . ولك أن تتخيل أن هذا القطاع وعلى مستوى العالم بلغ عدد العاملين في القطاع السياحي بنهاية 2014م حدود 210 ملايين موظف، حيث شكل التوظيف في القطاع السياحي ما نسبته 11.8 % من إجمالي حركة التوظيف على مستوى العالم وذلك وفقا لإحصائيات منظمة السياحة العالمية.
وقد ركز التنظيم الأساسي للهيئة على أهمية تنمية القطاع السياحي حيث ورد في الفقرة الثانية من تنظيم الهيئة الذي وافق عليه مجلس الوزراء الموقر بتاريخ 12/1/1421هـ، بالموافقة على تنظيم الهيئة العامة للسياحة “اعتماد السياحة قطاعاً إنتاجياً يسهم في بقاء السائح السعودي داخل البلاد، وزيادة فرص الاستثمار وتنمية الإمكانات البشرية الوطنية وتطويرها، وإيجاد فرص عمل جديدة للمواطن السعودي”. وتبلغ نسبة توطين وظائف القطاع السياحي حالياً (28%)، وقد قدرت الدراسات التي أعدها مركز المعلومات والأبحاث السياحية (ماس) في الهيئة، عدد الفرص الوظيفية المباشرة
وغير المباشرة في القطاع السياحي حتى نهاية عام 2015م بـ (1.2) مليون وظيفة، ويُتَوقع أن تبلغ بنهاية عام 2020م (1.7) مليون وظيفة.
كما أظهرت دراسة قامت بها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وشركاؤها قلة الأيدي العاملة الوطنية في قطاعات السياحة وحاجته الماسة للكوادر الوطنية المؤهلة لإدارة القطاع وتشغيله، كما وجدت تلك الدراسة أن من أهم العوائق التي تعترض طريق عمل القوى الوطنية العاملة بمجال السياحة عدم كفاية مرافق وموارد وبرامج التعليم والتدريب السياحي لذا تم التركيز على هذا القطاع الواعد ومن الممكن رفع شعار (( قطاع واعد وشباب طموح )) ليعكس اهتمام هذا المركز بالشباب وتدريبهم .
تواجه السياحة الداخلية تحديات كبرى على مستوى الاستثمار والتشريعات وتوفر البنية التحتية. وهذا يحتاج إلى دعم مباشر يرتقي إلى تحقيق هدف كلٍّ من المستثمر والسائح على حدٍّ سواء.
هل بالإمكان حصر أبرز المعوقات التي واجهتكم وكيف تغلبتم عليها ؟
دعني أعكس السؤال وأحوله إلى ما هي نقاط القوة التي ساعدت على نجاح مبادرات مركز تكامل في دعم برامج التوطين والتعليم والتدريب السياحي ومن ثم أتطرق إلى بعض الصعوبات.
لعل أبرز نقاط القوة التي ساعدتنا هي: متانة الاقتصاد السعودي، اتساع المساحة وتنوع المناطق الجغرافية، القوة الشرائية، التنوع السكاني، معدلات النمو السكاني، اكتمال البنية الأساسية للعديد من المشاريع، الأمن والاستقرار بشقية السياسي والاقتصادي، وأخيراً تطور وتقدم أنظمة العمل في المملكة.
ومن الصعوبات التي أعددنا لها قبل البداية في العمل هي ضعف المعلومات والإحصاءات المتعلقة بالتوطين والتدريب في القطاع السياحي، ضعف الموائمة بين المعروض والمطلوب من العمالة، الأعداد الكبيرة والمتزايدة من العمالة الوافدة، بيئة العمل(الأمان الوظيفي -المسارات الوظيفية-ساعات العمل)، الاستفادة من التأشيرات الموسمية للعمالة في المناطق التي يغلب عليها الموسمية.
وبفضل من الله تجاوزنا تلك الصعوبات بانتهاجنا لمنهج الشراكة واتفاقات ومذكرات التعاون مع الجهات صاحبة الاختصاص والقادرة على تجاوز تلك الصعوبات وهذا ما تمت الإشارة له سابقاً.
السياحة ترفع من الدخل الوطني
أن التركيز على صناعة السياحة لتساهم في رفع الدخل الوطني وبما يحقق مصلحة الوطن والمواطن من خلال التنمية المهنية أمر تضعونه نصب أعينكم ومن أولى اهتماماكم ،فعليه نتساءل كيف يتم التدريب لديكم ؟ وما نوعية التعاون مع الجهات الحكومية أو الخاصة ؟
المركز لا يقدم التدريب مباشرة بل يتم ذلك من خلال التعاون مع شركاؤنا سواء في القطاع العام أو الخاص ولقد تمت الإشارة إلى العديد من الجهات، ولذا المركز يقوم بوضع خارطة طريق تشمل كل مدخلات العملية التدريبية والتوظيفية ويتحمل مع الشركاء تكاليف تلك البرامج سواء التدريبية أو التطويرية أو التوعوية.
ولدى المركز خطط سنوية توضح احتياجات القطاع من الكوادر البشرية الوطنية واحتياج تلك الكوادر إلى برامج التدريب بكافة أنواعها الإعدادية منها والتأهيلية. ويتم التنسيق مع الشركاء على تنفيذ تلك الخطط.
وفي الختام نشكر لكم هذا اللقاء الماتع برحابة الصدر مثمنين جهودكم ووقتكم ،مقدرين لكم إيضاح النظرة التفاؤلية للسياحة الداخلية التي تشهد فعليا نقلة نوعية إلى حدٍّ ما مقارنة بما كان عليه الحال قبل بضع سنين ،وبهذه الخطى الموفقة نسأل الله لكم السداد في كل ما يسهم في رفعة هذا الوطن . .