د المنيف … خمسون عاماً في الإدارة التنفيذية .
مقدمة :
أبرز الدكتور / إبراهيم المنيف رحمه الله ، تجربة إدارية ثرية ناجحة لخمسون عاما 1960 – 2010م حوت العديد من القصص والتجارب الإدارية الناجحة والتي سيتم التوقف عندها أثناء تناول حياته الشخصية والعملية من خلال وقفات إدارية . وهذا الكتاب من الكتب المميزة لأنه احتوى جانب تطبيقي من أرض الواقع ولم يقتصر على القطاع العام ولكنه شمل القطاع الخاص أيضا .
نجاح العديد من الدول في الشرق والغرب يرجع لنجاح تجاربهم الإدارية .
يعتبر الكتاب من الكتب المميزة ويشكل أهمية كبرى لأنه يصور تجربة إدارية ثرية واكبت الندرة المالية في الستينات الميلادية والطفرة المالية الكبيرة التي أتت بعد ذلك والتي شهدتها المملكة العربية السعودية في عز ارتفاع النفط ثم الانكماش الذي حصل بسبب تراجع عوائد النفط وحديثه حول الفترات التي شهدها المؤلف والتجارب التي عاشها لهي دليل على أن العوائد المادية ليست وحدها التي تصنع العديد من التجارب الناجحة ولكن هناك نقطة ذات أهمية كبرى وتناولها الكاتب أكثر من مرة وهي التميز الإداري فلقد أشار الكاتب أن نجاح العديد من الدول في الشرق والغرب يرجع نجاحها إلى قوة تجاربهم الإدارية والخبرات الكبيرة التي يملكونها في هذا الجانب .
ولقد تناول الكاتب تجربته في كتاب من القطع المتوسط ولقد احتوى على 580 صفحه توزعت على 12 فصلا .
عرض للكتاب والمراحل المفصلية التي مرت بالكاتب ويمكن عرضها في النقاط التالية :
المولد في عمان
1 ـ كانت البداية عام 1940م وهو ميلاد مؤلف الكتاب في عمان في الأردن و كان تعليمه حتى وصل إلى الصف الرابع الثانوي ثم عمل كمبتدئ في تخليص البضائع لدى (المديفر) بالحدود الشمالية (طريف)، ثم انتقل إلى تبوك و عرعر حيث شارك (المطيويع) ببيع البطيخ وهذه التجربة لم تستمر طويلا لأن عائلة المطيويع انتقلت من الأردن إلى عرعر .
ثم رجع مرة أخرى إلى الأردن وانهي الصف الخامس الثانوي وتخرج .
درس لن انساه
2 ـ بدأ حياته العملية في البنك العربي ولقد تحدث عن تجربته هذه بقوله انتقلت للبحث عن عمل في الرياض والدمام وجدة ولم أجد وظيفة ثم عدت مرة أخرى للرياض وبدأت البحث والمشاركة في المسابقات الوظيفية التي يعلن عنها في الوزارات ولم أوفق إلا أنه وبالصدفة قابلت شاباً كان يدرس معي بالأردن وكان يعمل في البنك العربي وهو يهم بتقديم استقالته لرغبته الالتحاق بكلية الشرطة بمكة المكرمة ، فتوسط لي لحل محله بالبنك فتم تعييني براتب أساسي (200) ريال وبدل غلاء معيشة (200) ريال وبإجمالي راتب شهري (400) ريال ، ومازال يذكر زيارة مؤسس البنك – عبد الحميد شومان – لفرع الرياض واحتفائهم به ، وعندما وقف بالقرب من مكتبه ووجد بعض الدبابيس متناثرة في الأرض قال بصوته الجهوري ما هذا التسيب في نثر الدبابيس.. إن لها قيمة مادية وتعود لمساهمي البنك من أرامل وورثة وأيتام ، ولا يجوز أن نتركها بهذا الشكل فاعتبرها درساً لن ينساه.
طارت الطيور بأرزاقها
ترك العمل في البنك بسبب خطاب وصله من والده بالأردن يبلغه أن عمه – عبد الرحمن – قد حصل له على بعثة دراسية بجامعة يوغوسلافيا فاستقال من البنك وسافر فوجد أن (الطيور طارت بأرزاقها فعاد مرة أخرى ليعمل في شركة (التابلاين) بطريف وبراتب (610) ريال ولاكتسابه مهارة في الإدارة والحسابات في البنك فقد عين في قسم المحاسبة ، إذ هو السعودي الوحيد بين اللبنانيين والفلسطينيين، ولقد ذكر تعامل الرؤساء الأمريكيين وبعدهم الهنود أنه فيه تعال وبالذات على العمال السعوديين فعلامات التفرقة العنصرية حسب الجنسية والدين واضحة ، ويقول : إن تعاملهم مع اللبناني المسيحي ذو أهمية . وإن الوظائف العليا محصورة بهم يليهم اللبنانيون والهولنديون ليأتي السعودي بالمرتبة الدنيا رغم وجود من برز منهم وذكر منهم : لافي نايف وحمود نزال ، اللذان وصلا إلى مرتبة مساعد ناظر محطة وبراتب لا يتجاوز 2000ريال بينما راتب من يماثلهم بالوظيفة من الأمريكيين يصل إلى 12 ضعفاً رغم عدم تأهيلهم ، وتحدث عن بداية المقاول سليمان العليان وعن سائق ) الكنورث) عبد الله الخضري الذي اختلف مع رئيسه الأمريكي فاستقال ليصبح من كبار المقاولين.
كان عمله متنقلاً بين محطات الضخ في المدن التي أنشأتها التابلاين : طريف ، عرعر ، القيصومة ، رفحاء وغيرها . وعند زواجه طلب الاستقرار في إحدى هذه البلدات ، فرغم أنه أصبح مديراً للمحاسبة ورئيس مكتب محطة لم يتحقــــق له ذلك فقدم استقالته بعد ست سنوات عمل (61 – 1966) والذي يعترف أنه تعلم منها الكثير فــــــي أسس المحاسبة المالية ومبادئ الإدارة بالعمل والدراسة بما لا يقل عن 12 ساعة يومياً واعـــترف باستفادته من ثلاثة : موسى شكري صلبان الفلسطيني وغرم الله عبد الله الغامدي وعذيب مطلق الرويلي .
ولقد تحدث عن راتبه أنه زاد من 610 ريالات إلى 1260 ريالاً
يقول: إن عدد العمال السعوديين في التابلاين 800 موظف لم يصل منهم للوظائف العليا سوى ثلاثة. وبعد هزيمة 1967م توقف ضخ البترول إلى صيدا بلبنان فأغلقت الشركة أعمالها نهائيا، فنجده يتحسر على المنشآت والمعدات ومحطات الضخ والتوربينات الغازية ولماذا لم يتم تحويلها إلى إنتاج كهرباء وغيره؟ ولماذا لم يستفد من أربع محطات تتوفر فيها كل مقومات الحياة؟ ولماذا لم يستفد من المساكن والمباني التي أقامتها الشركة لعمالها ؟
درسا مفيد في استغلال الموارد
سواء للمواطنين أو للنازحين العراقيين أثناءحرب الخليج الثانية ؟
وكان من المفترض تحويل المستشفيات الأربع بكل معداتها وموجوداتها وكوادرها السعودية إلى وزارة الصحة.. وكذا المدارس.. ولكنها للأسف بيعت (خردة) إلى شركة يابانية جاءت ونقلت كل شيء إلى اليابان وهو بهذه الملاحظة يعطي درسا إداريا في استغلال الموارد والاستفادة منها على أكمل وجه وهذه الصفة يتسم بها الكاتب في جميع الأعمال التي تولاها وسيتم استعراض بعض منها .
3 ـ المرحلة الثالثة المهمة في حياته مجيئه للبحث عن عمل بالرياض بعد أن ترك وظيفته في التابلاين ويذكر ويقول أنه وجد إعلان لوظيفة (مساعد مدرس لغة انجليزية) بالمرتبة الخامسة بمعهد الإدارة العامة وكان يشترط في المتقدم أن يكون جامعياً فحمله طموحه لمقابلة مدير المعهد ليقول عن المقابلة : « لم أقابل من قبل قائداً وشخصية عامة محورية قبل ذلك مثل هذا القائد الأستاذ فهد الدغيثر في مكتبه الكبير ، والذي لم أنتظر لمقابلته إلا دقائق معدودة ، وهذا كان وما زال شيئاً نادراً ، لاشك أنه أبهرني بلطفه وبأسئلته الذكية عن تمكني من اللغة الإنجليزية. أذهلني تواضعه وسرعته في اتخاذ القرار الذي قدمه باتصاله مع مدير عام الشؤون المالية والإدارية آنذاك صالح العمير ، الذي وجهني إلى مدير شؤون الموظفين آنذاك محمد الطويل، وفي اليوم نفسه توجهت لإجراء الفحص الطبي في مستشفى الشميسي .. » وقال: إنه لن ينسى مقابلته للدغيثر.. وأنه فوجئ بقدراته اللغوية فصدر قرار تعيينه في اليوم نفسه.. ولم يمكث بهذه الوظيفة سوى ثلاثة أشهر.. بعدها تم تعيينه أميناً عاماً لمكتبة المعهد حديثة العهد ، ولمدة ثلاث سنوات متتالية ولم ينس من عمل معه على تأسيس وبناء وتكوين هذه المكتبة الرائعة هم: أحمد المعجل وعبد الله العوهلي ومصطفى السدحان وعبد الرحمن الجويرة.
ويعود مرة أخرى للتحدث عن رئيسه قائلاً: «من الضروري جداً أن أتحدث عن رئيسي في العمل. ألا وهو الأستاذ فهد الدغيثر، كان شاباً يافعاً ممتلئاً بالحيوية والنشاط. يحضر إلى العمل قبل أي موظف قبل السابعة صباحاً، ويدور يتفقد الجزء الرئيس بقاعات التدريب، ويزور الموظفين في مكاتبهم، ويكتب لكل موظف غير موجود ورقة صغيرة مليئة بالمعاني والتذكير وهي: صباح الخير ويذيلها باسمه. كان قائداً إدارياً بصرامته وصراحته وعطائه.. ».
وهذه حقيقة دروس في القيادة .
نماذج حية
4 ـ المرحلة الرابعة وهي تشكل ذات أهمية كبرى في حياته العلمية حيث تم ابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأكمل تعليمه الجامعي والماجستير و الدكتوراه ورجع إلى معهد الإدارة العامة ثم أسند له فتح وتجهيز فرع لمعهد الإدارة العامة في جدة ولقد قام بهذا العمل على أكمل وجه ثم كلف بإعداد دراسة تنظيمية لإنشاء جهاز جديد ( الرئاسة العامة لشؤون الحرمين ) ثم انتقل قائداً في صندوق التنمية العقاري لتطويره وفعلا قدم العديد من الأفكار والمقترحات التي كان منها تركيب برنامج حاسب كان له الفضل بعد الله في ارجاع اكثر من 600مليون ريالا للصندوق .وقبلها الشركة العقارية وقبلها تنظيم إنشاء جهاز ( رئاسة تعليم البنات) وغيرها. ولا ننسى قيادته لفريق دمج محطات الكهرباء الـ 44 شركة في شركة كهرباء واحدة كل هذا يستحق وقفات ودراسة متأنية لأنه يقدم نماذج حية تطبيقية في تطوير المنظمات .
ماذا استفدت من الكتاب :
1 ـ احتوى الكتاب العديد من التجارب الناجحة في التطوير الإداري مثل تجربة المؤلف في إنشاء فرع لمعهد الإدارة العامة في جدة وتجربته في صندوق التنمية العقاري والأفكار التطويرية التي قدمها وأسهمت في تسريع العمل وكان لها عائد مالي كبير جدا أيضا تجربته في دمج شركات الكهرباء .
2 ـ تناول الكاتب البدايات بشي من التفصيل وهذا يرجع دائما لأهمية البدايات والصعوبات التي يواجهها صاحبها .
3 ـ الكاتب تناول 3 فترات مهمة جدا وهي فترة الشح والندرة المالية ثم الطفرة المالية ثم تراجع أسعار النفط هذا و يعتبر الكاتب من المخضرمين حيث واكب أكثر من حقبة زمنية مختلفة .
4 ـ الكاتب ركز على نقطة هامة جدا وهي الإدارة واعتبرها الكاتب حجر الزاوية لأي نجاح وتميز ودعم ذلك بالأدلة والبراهين للعديد من الدول التي نجحت مثل الهند وسنغافورة وماليزيا وركز فيها على صناعة الإنسان وتعليمه وتنمية مهاراته القيادية .
5 ـ الكاتب قدم العديد من الأفكار القابلة للتطبيق في التنمية الإدارية والاستفادة من الإمكانيات المتاحة مثل استفادتهم من رجيع استبدال شبكة الكهرباء الهوائية الموجود في مستودعات شركة الكهرباء في الرياض وتركيبها مرة أخرى في القرى والهجر المنتشرة في أنحاء المملكة وهو بذلك يعطي درس تطبيقي في الكفاءة والفاعلية .
6 ـ الكاتب يعطي دروس هامة في الصبر في البدايات وأن لا نستعجل النجاح .